جوع الإرادة
هل يوجد معنى أشد أثرا على النفس من كلمة جائع ..؟؟
وما تعنيه من ملحقات عضوية وآلام تصيب جسد الإنسان الذي اشتد فيه الجوع ليصبح جسدا نحيلا..!! لا يستطيع القيام بأي عمل لشدة أرهاقه وتعبه ولنقص كبير في طاقته ..!!
نعم هناك جوع أقسى وأشد وطأة .. ليس فقط في نفس الجائع، بل في نفوس كل من يحيط به لأنه جائع الإرادة .
حيث أنه لا يستطيع القيام بأي شيء فهو لا يمتلك العزم والقوة النفسية التي تمنحه الحافز أو الدافع للسير نحو الأفضل ..!!
ليبقى في دائرة الضعف والتسويف المفرط الذي يجعله بئرا عميقة يدفن فيها كل ما من شأنه أن يوصله لحياة أفضل.. وارتقاء يعود عليه بالنفع.. والإحساس بقيمة حياته ولذة إنجازه ..!!
بل يغدو عبئا على من يحيطون به ..لأنه ببروده وضعفه يصبح عائقا أمام اي مسعى منهم للقيام بأي أمر..!!
فهو يغرقهم بوابل من اللاءات والرفض المباشر..!!
ويزرع فيهم الضعف والإستهتار بالوقت لأنه بالأساس يكون ضعيف الإيمان ..
لأن الإنسان المؤمن بشيء يبذل أغلى مالديه للحصول عليه سواء كان إيمانا بعمل أو فكرة .. يجسدها واقعا أو إيمانا عقائديا ولا سيما أن الله تعالى فضل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف وفي كل خير .
ولكن هذا التفضيل يعود سببه للنتيجة التي يجنيها المؤمن القوي نتيجة لإرادته وتصميمه وعمله المثابر والدؤوب للحصول على ما يريد ..
والأثر أو قوة الأنطباع الإيجابي الذي يعتلي نفوس الذين حوله وزرع بذرة الخير والقوة الحقيقية المبنية على الإرادة المرتبطة بمشيئة الله والتوكل عليه والأخذ بالاسباب.. فيصبح إنسانا قدوة ومثلا أعلى لأنه قادر على فك المظالم بين الناس وجدير بالإحترام ..
لأن هيبته لا تسمح لأحد بأن يأكل حقه ،ويغدو ملاذ الضعفاء ورمزا لنصرة الحق وصاحب طموح ..تؤخذ سيرته عبر الأجيال ليكون مثال المثابرة والسعي خلف أمور توصله للإرتقاء بأي عمل يمتهنه أو علم سعى وتفوق به ..
فالإنسان الذي يجوع جراء نقص الطعام يبقى وحده في دائرة الألم ..لا أحد يشعر بجوعه ونقص جسده..!!
بل ولربما كان مع كل ما يعانيه من فاقه ،قادرا على إخراج كلمات من شأنها أن ترسم معالم حياة أفضل أو يرتقي بجوعه لعالم روحاني..!!
أما جائع الإرادة والإيمان ،يصبح وكأنه نهر تفرع مجراه .. لكن لايحمل إلا التراب والوحل،فتبقى قنوات يظن الإنسان بها خيرا قبل أن يقترب منها ..
لأن شخصيته تبقى عالقة في بحر اللاءات اللامتناهية التي تحرم الشخص المُبتلى بها من أي فكر متجدد أو خيال مثمر، أو حتى السماح لنفسه بأن تتخلص من ألامها وتحسين واقعها ..من خلال تأملات أو ابتكارات تضيف التجديد لحياته المادية ..في البحث عن فرص أفضل تجعل واقعه مثمرا..
أو نفسيا ..من خلال نظرة إيجابية تمنحه التفاؤل والظن الحَسن في الحياة والناس ..رغم كل ال(لا) التي يتعرض لها الإنسان في مسيرة حياته لأن هذه الكلمة تعتبر سجنا يعيش فيه الإنسان، وقضبانه الخوف الذي يسيطر على تفكيره، ويحرمه أشياء كثيرة..!!
فالخوف من المجهول يحرم الأنسان التقدم وإثبات ذاته ..ولو كان هذا الإنسان يعيش في مجتمع تتوفر فيه الرفاهية..!! لن يتمكن من التعايش ومجاراة التطور الذي يدور حوله ..!
لأنه فاقد لحب البحث والتجديد ،على عكس الإنسان الذي يمتلك الإرادة وحب الاكتشاف ..
فلو كان يعيش في ظروف قاسية تفتقر لكثير من أساسيات الحياة ..
فإن إرادته تجعله يبحث عن عوامل التأقلم مع واقعه وإبتكار طرق تطوير ظروفه فالإنسان الاول الذي كان يعيش في الكهوف والغابات ،لو لم يمتلك الإرادة والخيال الخصب ..وتحدى الخوف من الحيوانات وكل ما يجهله في محيطه ..
فصنع أدوات تحميه منها ،ولولا مثابرته في العمل والتحدي لما ارتقى الى أن يتوصل إلى أفكار أوصلته مع تسلسل الزمن ودورات الارتقاء الإنساني إلى القمر ......
فالشخص الذي لا يسمع منه أطفاله الا كلمة (لا)يرسم لهم حياة محتواها لا للصدق لا للإبداع لا لمراجعة الذات لا للتجديد لا للشخصية القوية المستقلة لا لتشغيل العقل ،وهذا لا يعني أن يكون متساهلا أو متهاونا بل يعرف كيف ومتى يقول (لا)،أو عليه البحث عن بدائل كمفهوم لماذا ..
مارأيك..
ماذا تتوقع أن تكون النتيحة ..
ليبقى مجال الحوار السليم والصريح الذي يُفهم الطفل معنى الفعل وما النتيجة المترتبة على قيامه به، وشرح أوجه لم تصل إليها مُدركاته..وقد تحمل في مضمونها سلبية أكثر من الإيجابية التي توقعها..
وحفزته للقيام بها ..!!
ونترك له الخيار بعد تحميله المسؤولية .
حينئذ سنصل معه ألى حل يكون مقبولا وصحيحا ونحفظ له حقه بأن يمارس حريته المسؤولة ومع تكرار هذا السلوك نُنمي داخل الطفل القدرة على استحظار ملكاته العقلية والنفسية وتعويده على الالمام بكل ما يفيده اتجاه الموضوع أو العمل الذي يفكر بالقيام به ، وبهذا يكون قادرا على إيجاد محاكمة عقلية ونفسية.. تجعل منه إنسانا ناضجا، قادرا على اتخاذ القرار والعمل بجدية وجرأة..
ليس محركه الإندفاع والطيش ..!!
بل الإيمان بقوة الإنسان وقدرته على صياغة حياة أفضل .. ترتكز على الإرادة القوية والتخطيط الجيد ..
والنتيجة التي يُكللها الخير والنية الصادقة.. فيرتقي وينتفع كل من يحيط به.
غادة ياسين الأحمد*🌹